أصبح الاقتصاد القطري في حالة من العزلة شبه التامة بعد قيام كلٍّ من المملكة العربية السعودية ودولة الإمارات العربية المتحدة ومملكة البحرين وجمهورية مصر العربية، وعدد من الدول الأخرى منها اليمن وليبيا وجزر المالديف؛ بقطع علاقاتها الدبلوماسية والاقتصادية مع دولة قطر يوم 5 يونيو الجاري، وما يزيد من صعوبة هذه القرارات أنها تضمنت إغلاق كافة المنافذ البحرية والبرية والجوية أمام الحركة القادمة والمغادِرة لقطر.
وبدأت آثار قطع العلاقات تظهر بالفعل على الاقتصاد القطري، ومن المرجّح أن تتسع هذه التداعيات مستقبلا، لا سيما في ظل الأهمية الكبيرة التي تحتلها دول السعودية والإمارات والبحرين بالنسبة لحركة التجارة الخارجية لقطر، وكذلك بالنسبة لحركة الأفراد منها وإليها، هذا إلى جانب العلاقات الاقتصادية المباشرة التي تربط الاقتصاد القطري بها، وتجعله معتمدًا عليها في العديد من القطاعات. وبالتالي، يتوقع أن تكون هناك خسائر اقتصادية على قطر جرَّاء الأزمة الحالية مع دول الخليج، ومنها ما يلي:
1- عدم استقرار التجارة الخارجية:
من المرجح أن يتأثر قطاع التجارة الخارجية القطري بشكل كبير نتيجة حالة العزلة التي دخل فيها الاقتصاد. وتشير الإحصاءات إلى أن الصادرات القطرية التي بلغت 65 مليار دولار في عام 2016، ذهب ما قيمته 6.5 مليارات دولار منها، أو ما يساوي 10%، إلى أسواق السعودية والإمارات والبحرين ومصر. كما أن الواردات القطرية التي بلغت نحو 34 مليار دولار في العام نفسه، جاء حوالي 5.1 مليارات دولار أو نحو 15% منها، من دول الخليج الثلاث ومعها مصر.
وما سبق يعني أن قطع دول الخليج علاقاتها مع قطر يُهدد استقرار نحو 11% من التجارة الخارجية للدوحة، بما يبلغ 11.6 مليار دولار سنويًّا، وهو ما سيُلقي بظلاله ليس فقط على قطاع التجارة الخارجية بالنسبة لقطر، ولكنه يضغط أيضًا على جميع الأنشطة الاقتصادية ذات العلاقة بالتجارة الخارجية، وصولاً إلى الاقتصاد الكلي.
وستتكبد التجارة البرية القطرية بدورها خسائر جمة؛ حيث إن قيام السعودية (الدولة الوحيدة التي تشترك مع قطر في حدود برية) بإغلاق معبر "أبو سمرة"، المنفذ البري الوحيد الذي يربط قطر بالسعودية، ينتج عنه العديد من المشكلات بالنسبة للأسواق القطرية، لا سيما أسواق السلع الاستهلاكية، حيث يمر من خلال هذا المعبر نحو 800 شاحنة يوميًّا، تحمل السلع الغذائية ومدخلات الإنتاج ومواد البناء وغيرها إلى الأسواق القطرية، وبالتالي يُتوقع أن تُعاني الأسواق القطرية من عدم توافر العديد من هذه السلع، ناهيك عن ارتفاع أسعارها. وتزداد هذه الأزمة حدةً مع قيام السعودية والإمارات والبحرين بإيقاف ممرات الملاحة البحرية والجوية مع قطر، ما يتسبب في انقطاع حركة الشحن البحري والجوي إليها أيضًا.
ومن المرجح أن تكون أسواق سلع الاستهلاك القطرية هي الأكثر تأثرًا بهذه الإجراءات، حيث تشكل هذه السلع ما نسبته 27% من الواردات القطرية من السعودية والإمارات والبحرين، تليها أسواق "الأغذية والحيوانات الحية" التي تمثل 16% من تلك الواردات.
2- أضرار جسيمة في قطاع الإنشاءات:
سيتكبد قطاع الإنشاءات القطري الكثير من الخسائر بسبب قطع العلاقات مع السعودية والإمارات والبحرين، فهذا القطاع يعتمد بشكل كبير على الاستثمارات والشركات المنتمية لدول الخليج؛ حيث تشير بيانات مؤتمر الأمم المتحدة للتجارة والتنمية "الأونكتاد" إلى أن قطاع الإنشاءات يُعد من القطاعات الأكثر استقبالاً للاستثمارات الخليجية في الوقت الراهن.
كما أن نسبة كبيرة من واردات قطر من مواد البناء تأتي من دول الخليج، وبصفة خاصة من خلال المعبر البري "أبو سمرة". وبالتالي فإن انقطاع هذه الواردات يهدد بتأخير تنفيذ مشروعات إنشائية ترتبط باستضافة قطر لمونديال 2022، الأمر الذي قد يؤثر على قدرتها على استضافة هذا الحدث العالمي الذي تُعوِّل عليه الحكومة القطرية في إحداث نهضة كبيرة في عددٍ من القطاعات، وعلى رأسها السياحة، كما أنها تُعلِّق الكثير من الآمال عليه من أجل تحسين موقع البلاد على خريطة التنافسية في العديد من القطاعات، لا سيما البنية التحتية والمرافق العامة والثقافة والترفيه واستضافة الفعاليات العالمية الكبرى.
3- تراجع الاستثمار الأجنبي:
مع تحوّل الاقتصاد القطري إلى حالة العزلة شبه التامة بعد قطع العلاقات من جانب دول الخليج؛ فإن ذلك يقلص من قدرات هذا الاقتصاد على اجتذاب الاستثمار الأجنبي المباشر. ويعود ذلك إلى محدودية السوق القطرية، وضعف قدرتها الاستيعابية بالنسبة للاستثمار الأجنبي، لا سيما وأن حالة العزلة التي دخلتها تُقلص من قدرة الشركات العاملة بها على الوصول إلى أسواق دول الجوار، من أجل تصريف منتجاتها.
يُضاف إلى ذلك، عدم تنوع الفرص الاستثمارية المتاحة في الاقتصاد القطري؛ حيث تتركز معظم هذه الفرص في قطاعات الطاقة والبنية التحتية، علاوةً على مظاهر عدم الاستقرار التي سيتعرض لها الاقتصاد القطري في ظل حالة العزلة الناتجة عن عدم انتظام إمدادات المواد الأولية ومدخلات الإنتاج، إلى جانب تراجع فرص حصول قطر على التمويل من الأسواق المحلية والإقليمية.
وبالنظر إلى أن البحرين والإمارات ومصر والسعودية، من أهم الدول المستثمرة في قطر؛ فإن قيامها بقطع علاقاتها مع الدوحة سوف يتسبب في تراجع استثماراتها هناك، أو انسحابها منها تمامًا، الأمر الذي سيُفقد الاقتصاد القطري أحد أهم محركاته في الوقت الحالي، ويتسبب في فقدانه العديد من الوظائف. ووفقًا لبيانات مؤتمر الأمم المتحدة للتجارة والتنمية "الأونكتاد"، بلغت تدفقات الاستثمار الأجنبي المباشر من دول البحرين والإمارات ومصر والسعودية إلى قطر خلال الفترة 2003 - 2015 نحو 22.2 مليار دولار، بما يمثل 20.5% من إجمالي الاستثمارات المباشرة التي وردت إلى قطر خلال تلك الفترة. وقد ساهمت استثمارات دول الخليج الثلاث ومعها مصر في توليد نحو 31 ألف فرصة عمل في الأسواق القطرية، أو ما يساوي 34% من إجمالي فرص العمل التي ولَّدها الاستثمار الأجنبي بها خلال الفترة نفسها. كما ساهمت هذه الاستثمارات في تنفيذ نحو 165 مشروعًا، بنسبة 28% من المشروعات التي تم تنفيذها في قطر.
4- اضطرابات مالية متوقَّعة:
تمثل حالة العزلة التي تحول إليها الاقتصاد القطري أحد مصادر التهديد بالنسبة لقدراته المالية، وجدارته الائتمانية كذلك، حيث تحد هذه الحالة كثيرًا من تدفقات رؤوس الأموال إليه، بسبب توقف أو انحسار الأنشطة في العديد من القطاعات المُدرة للنقد الأجنبي بالنسبة له، مثل: الطيران المدني، والتصدير وإعادة التصدير، والسياحة، والاستثمار الأجنبي. وسينتج عن ذلك حدوث تراجع في احتياطي النقد الأجنبي القطري، ومن ثم لجوء الحكومة القطرية إلى السحب بكثافة من أرصدتها المالية، بما في ذلك صناديقها السيادية، من أجل تأمين السيولة المالية اللازمة لتمويل عجز الموازنة العامة، وكذلك من أجل ضخ بعض الأموال في القطاع المصرفي وتمويل الاستيراد.
وستنعكس هذه المعطيات الجديدة على التصنيف الائتماني للاقتصاد القطري، الذي سيكون أكثر انكشافًا، ولا بد أنه سيكون محل مراجعة خلال الأيام المقبلة. وبالفعل فقد ذكرت وكالة "موديز" للتصنيف الائتماني، التي قامت نهاية الشهر الماضي بتخفيض التصنيف الممنوح لقطر إلى AA3 بدلا من AA2، "أن قطع علاقات دول الخليج قد يؤثر على الجدارة الائتمانية لقطر خلال الفترة المقبلة". وفي السياق نفسه، ارتفعت تكلفة التأمين على الديون السيادية القطرية إلى أعلى مستوياتها في شهرين.
وتُعد سوق المال القطرية من أكبر المرشحين لتكبد الخسائر بسبب قطع دول الخليج علاقاتها مع الدوحة. وفور الإعلان عن ذلك، تراجع المؤشر العام للسوق القطرية إلى أكثر من 8%، وفقد سهم "بنك قطر الوطني"، أكبر بنك في البلاد، أكثر من 10% من قيمته. وعلى المدى الطويل، يُتوقع أن تفقد سوق المال القطرية مكانتها، كثاني أكبر سوق مالية في المنطقة العربية، بعد السوق السعودية، وذلك بسبب خروج رؤوس الأموال العربية والخليجية منها، إلى جانب تأثر أنشطة الشركات القطرية الرئيسية المدرجة بها سلبًا جرَّاء قطع العلاقات.
5- خسائر قطاعَيِ السياحة والطيران المدني:
قررت دول الخليج التي قطعت علاقاتها مع قطر، منع مواطنيها من السفر إلى الدوحة، أو الإقامة فيها، أو المرور عبرها، مع التأكيد على المقيمين والزائرين منهم سرعة مغادرة قطر خلال مدة لا تتجاوز 14 يومًا، كما أمهلت هذه الدول المواطنين القطريين المتواجدين بها نفس الفترة لمغادرتها. ويمثل هذا الأمر مصدر تهديد لقطاع السياحة القطري.
وتشير الإحصاءات إلى أن منفذ "أبو سمرة" البري بين قطر والسعودية عبره أكثر من 326 ألف شخص خلال الفترة من 10 يناير - 5 فبراير 2017، ما يعني أن هذا المعبر يمر به نحو 12.5 ألف شخص يوميًّا، وبالتالي فإن إغلاقه يمنع ما يوازي 4.6 ملايين شخص سنويًّا من العبور إلى قطر، سواء للسياحة أو للعمل أو الإقامة.
ويُضاف إلى ذلك، أن شركات الطيران في دول الخليج ومعها مصر قد أعلنت إيقاف رحلاتها من وإلى قطر، ومنها: الاتحاد للطيران، وطيران الإمارات، والعربية للطيران، وفلاي دبي، والخطوط الجوية السعودية، ومصر للطيران. وفضلا عن أن توقف رحلات هذه الشركات من وإلى قطر سوف يجعل عملية انتقال الأفراد من الدول التي تتبعها هذه الشركات والعكس أمرًا صعبًا؛ فإنه كذلك يحد من حركة السياحة الوافدة إلى قطر عبر مطارات دول الخليج بشكل كبير.
ويرتبط بذلك أيضًا، الآثار السلبية المتوقع أن تلحق بقطاع الطيران المدني القطري، الذي من المرجح أن يكون بين أكبر الخاسرين جرَّاء قطع العلاقات، فالخطوط الجوية القطرية ستخسر 50 رحلة جوية يوميًّا، موزعة بين الإمارات والسعودية والبحرين ومصر. كما أن حرمانها من استخدام المجال الجوي لكل من السعودية والإمارات والبحرين، سيجبرها على اتخاذ مسارات بديلة لرحلاتها، الأمر الذي سيؤدي إلى زيادة أمد الرحلات ورفع تكلفتها، وأيضًا قد يضطرها إلى العبور فوق مناطق غير آمنة في العراق، على سبيل المثال، ما قد يمثل تهديدًا لبعض رحلاتها، وبالتالي يُفقدها بعض الميزات التنافسية، ويزيد من تكلفة التأمين بالنسبة لها.